كانت أولى خيوط الشمس الدافئة تتحسس وجهى كأنها يد أم حنون... تداعبني في سرور...إلا أن الموقف كان حزينا ولم أكن آبه لما يحدث من حولى...لقد كانت مشاعر الحزن و الأسى قد سيطرت علي و تقاسم محياي تعبيرا الرضى و السخط تارة بتارة...كنت خائر القوى جراء ليلة أمس...و قد قضيت الليلة في صالة الانتظار...كانت الأسئلة و الأجوبة تتناوب في ذهني كوميض البرق...دون أن أفهم تحديدا فيما أفكر...إنها حالة منطقية لمن كان على عتبة فقدان عزيز...أسندت ظهري إلى جدار الغرفة و قد هربت مني تنهيدة عميقة...كان ولدي خلف الجدار الذي أتكئ غليه ممددا على الفراش و قد زرعت فيه خراطيم من كل مكان...كان غائبا عن الوعي...شاحب الوجه...هزيلاكما لم يكن أبدا...و فجأة رأينا مجموعة من الممرضين و الأطباء قد حملوا بعض معدات الإسعاف و هرعوا مسرعين إلى غرفة والدي...قمنا جميعا من مجلسنا-أنا و والدتي و أخي- و حاولنا الاستفسار عن الأمر و لكن دون جدوى...وقفنا عند باب الغرفة و الفضول الممتزج بالخوف يحرق أحشاءنا...و هنا عادت بي الذكريات... عندما كان والدي يسافر للعمل كنا نترقب عودته على أحر من الجمر...كان البيت دونه حزينا باهت اللون و كأنه يحزن هو أيضا لفراقه...لقد كان يبعث بالمتعة و الحيوية في البيت.. بنكته و سمره بضحكاته و كلامه....عطفه و حلمه كان يحتوينا جميعا...لقد كان كل مانحتاج إليه من أبوة و رعاية و توجيه...لقد كان يعرفنا جيدا و يعلم بدقة حركاتنا و ما نقصده ...لقد كانت نظراته الدافئة إلى أحدنا تكفيه معرفة ما يود قوله...لقد كان أشبه بالتخاطر البصري !!....لقد كان خيال!!!! ...لولا أنني كنت أعيشه..وقاطع ذكرياتي..صوت باب الغرفة و قد فتح أمامنى فأشع نور من الغرفة ...و كنا من وقع الحيرة نترقب أي شيء لتلتصق به أعيننا...ظهر الطبيب..و قال في حزن"إنه يطلبكم".. أقبلت عليه إقبال الأم التي منعت عن صغيرها شهورا.. أمسكت بيده و ضغطت عليها دون قصد..فقال في ابتسامة..."أصبحت قويا يا فتى ...أم أنك تريد أخذ يدي معك"...تبسمت له و الدموع تعبد طرقاتها على خدي و لم أدر ما أقول..و استرسل قائلا"أملي فيك كبير يا ولدي...لطالما أثبت لي أنك ابني بحق...تذكرني دائما....أشهد أن.....و أحسست بيده ارتخت بين يدي... و علمت من لحظتي أنها .. كانت آآآآآآخر كلمات والدي ... رحمه الله....
تقبلوا تحياتي billal_zoro